الطعن رقم 15381 لسنة 53 القضائية عليا، (الدائرة الرابعة)، جلسة 7 من يونيه سنة 2008، شئون الأعضاء- الندب للأعمال القانونية- مفهومه- سلطة المجلس الخاص للشئون الإدارية بشأنه- أثر إحالة العضو إلى مجلس التأديب في ندبه.

جلسة 7 من يونيه سنة 2008

(الدائرة الرابعة)

الطعن رقم 15381 لسنة 53 القضائية عليا.

مجلس الدولة

– شئون الأعضاء- الندب للأعمال القانونية- مفهومه- سلطة المجلس الخاص للشئون الإدارية بشأنه- أثر إحالة العضو إلى مجلس التأديب في ندبه.

المادتان 68 مكررا و 88 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.

أجاز المشرع ندب أعضاء مجلس الدولة كل الوقت أو في غير أوقات العمل الرسمية طبقاً لنص المادتين 68 مكرراً و 88 من قانون مجلس الدولة، للقيام بأعمال قانونية- عبارة (أعمال قانونية) من العموم والاتساع بحيث تشمل كل عمل ذي صلة بالقانون- تتعدد صور الأعمال القانونية ولا تقع تحت حصر، والمعيار المميز لها عن غيرها معيار موضوعي وليس معيارا شخصيا أو ذاتيا، وذلك بالبحث في كنه العمل القانوني لاستظهار طبيعته- ندب أعضاء مجلس الدولة محض سلطة تقديرية للمجلس الخاص للشئون الإدارية، ولا معقب على قرار المجلس الخاص في ذلك، ما دام قراره قد خلا من إساءة استعمال السلطة – إذا أفصحت جهة الإدارة عن سبب قرارها بالرغم من عدم إلزامها قانونا بذكره فللمحكمة أن تراقب صحة قيام هذا السبب- عدم تجديد ندب عضو مجلس الدولة لمجرد إحالته إلى مجلس التأديب يتضمن ابتداعا لعقوبة تبعية لم ترد في القانون؛ إذ لا عقوبة بغير نص، فضلاً عن أن الأصل في الإنسان البراءة، وهو أصل لا يسقط عنه إلا بحكم قضائي بات صادر بالإدانة([1])– تطبيق.

الإجراءات

في يوم السبت الموافق 9/6/2007، أودع الأستاذ / … المحامي بالنقض بصفته وكيلاً عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 15381 لسنة 53 ق. عليا، يطلب في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً، ووقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس مجلس الدولة فيما تضمنه من رفض تجديد ندبه للعمل مستشاراً قانونياً لرئيس جامعة الإسكندرية لمدة عام رابع على التوالي، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها أحقيته في هذا الندب وتنفيذ الحكم بمسودته بغير إعلان، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.

وجرى إعلان الطعن على النحو الموضح بالأوراق.

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم أصليا: بعدم قبول الطعن لرفعه من غير ذي صفة. واحتياطياً بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.

وعينت لنظر الطعن أمام الدائرة السابعة موضوع جلسة 24/6/2007 حيث حضر الطاعن شخصياً وبرفقته وكيله بتوكيل رقم 784 لسنة 2007 مكتب توثيق نادي القضاة، وأضاف الطاعن إلى طلباته وقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه برفض تجديد ندبه اعتبارا من تاريخ صدور الحكم، وتدوول نظره بجلساتها على النحو الموضح بمحاضرها، وبجلسة 6/1/2008 قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لشعور الدائرة بالحرج، وتحدد لنظره أمامها جلسة 22/3/2008، وبجلسة 12/4/2008 قدم الطاعن مذكرة بدفاعه ضمنها أن قرار الإدارة برفض تجديد الندب- أياً كان السبب الذي عولت عليه سواء سبق إحالته لمجلس التأديب، أو استندت إلى سبب آخر- يخضع لرقابة القضاء. كما قدم الحاضر عن الدولة مذكرة بدفاع المطعون ضده بصفته، طلب في ختامها الحكم أصلياً: بعدم قبول الطعن شكلاً لانتفاء القرار الإداري المطعون فيه، واحتياطيا: برفض الطعن. وبجلسة 26/4/2008 قدم الطاعن مذكرة ختامية طلب في ختامها الحكم بطلباته الموضحة بصحيفة طعنه، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 24/5/2008 وفيها تقدمت الجهة الإدارية بطلب فتح باب المرافعة، وأرفقت به مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن الماثل شكلاً لرفعه بعد الميعاد (أصلياً)، وبعدم قبول الطعن لعدم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه (احتياطيا)، وتضمنت الرد الموضوعي على الطعن وحافظة مستندات تأييدا لوجهة نظرها. كما حضر الطاعن شخصيا واطلع على ما قدمته الإدارة، وطلب حجز الطعن للحكم، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وإتمام المداولة.

وحيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية.

ومن حيث إنه عن الدفع المبدى من الجهة الإدارية- أصليا- بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد الميعاد على سند من القول إن الطاعن علم بالقرار المطعون فيه بتاريخ 15/2/2007 ولم يتقدم بطعنه إلا في 9/6/2007، أي بعد فوات مواعيد الطعن المقررة قانونا. واحتياطيا: بعدم قبول الطعن شكلاً لعدم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه، إذ لم يثبت تقديم الطاعن لأي تظلم من قرار عدم الموافقة على تجديد ندبه؛ ففي خصوص الدفع بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد الميعاد، فذلك مردود عليه بأن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 28/1/2007، وعلم به الطاعن في 15/2/2007، وقدم تظلما منه للمطعون ضده بتاريخ 5/4/2007، على نحو ما انطوت عليه حافظة مستنداته، وإذ لم يتلق ردا على تظلمه، وأقام طعنه الماثل بتاريخ 9/6/2007، فإنه يكون مقاماً في الميعاد.

ولا ينال مما تقدم ما جاء بمذكرة الجهة الإدارية الأخيرة من أنه بالبحث في سجلات الوارد بالأمانة العامة للمجلس وسجلات مكتب المطعون ضده، تأكد عدم تقديم الطاعن لأي تظلم من القرار، ذلك أن الطاعن قدم ما يفيد تظلمه من القرار وموقع على التظلم بتسلم الأصل دون توقيع، وذلك أمر طبيعي، إذ ليس من المستساغ  أن يسلك الطاعن ولوج طريق القضاء طعناً في قرار المجلس الخاص الذي يترأسه رئيس المجلس (المطعون ضده) المهيمن على الشئون الوظيفية لأعضاء المجلس، قبل أن يتلمس طريق التظلم الإداري لما عساه أن يكون منتجاً في عدول المجلس الخاص عن قراره، والدخول في خصومة مع الإدارة، ومن ناحية ثانية فإن ما ذهبت إليه الإدارة من أنه لم يتأكد تقديم الطاعن لأي تظلم من القرار المطعون فيه، فذلك ليس أمراً مقطوعا به، إذ يمكن إثبات عكس ذلك، وهو ما برهن عليه الطاعن، وتطمئن إليه المحكمة.

أما عن الدفع المبدى من الجهة الإدارية احتياطياً: بعدم قبول الطعن شكلاً لعدم سابقة التظلم، فذلك مردود عليه بأن قانون مجلس الدولة لم ينص على التظلم الوجوبي في مثل الحالة المعروضة، وبالتالي تسري عليه قاعدة التظلم الاختياري، ومفادها أن صاحب الشأن بالخيار بين ولوج طريق التظلم الإداري، أو اللجوء رأساً إلى الطعن على القرار أمام المحكمة المختصة، وفي الحالة الأولى ينتج التظلم أثره بقطع سريان مدة الطعن، على الوجه المشار إليه.

ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك، فإن الدفع المشار إليه يغدو غير قائم على أساس صحيح من القانون جدير برفضه.

ومن حيث إنه عن الموضوع، فيتحصل – حسبما يبين من الأوراق – في أن الطاعن أقام طعنه الماثل طعناً على قرار رئيس مجلس الدولة برفض تجديد ندبه للعمل مستشاراً قانونياً لرئيس جامعة الإسكندرية للعام الرابع على التوالي، ونعى على القرار مخالفته للقانون وتخلف السبب المشروع، كما جاء مشوباً بعيب الانحراف بالسلطة، على النحو الآتي:

أولا- مخالفة القرار المطعون فيه للقانون وتخلف ركن السبب المشروع، أساس ذلك أن القرار المطعون فيه قد قام على أسباب حاصلها أن الطاعن اشترك في عضوية اللجنة التي شكلها رئيس جامعة الإسكندرية بالقرار رقم 49 مكرراً بتاريخ 11/1/2005 دون إذن، كما عمل مستشاراً لجهاز الشئون الطبية بمستشفي طلبة الجامعة التابع لإدارة الجامعة دون إذن، فإنه عن السبب الأول، فإن المجلس الأعلى للجامعات قرر بمناسبة تعديل المادة 76 من الدستور تشكيل لجنة من كل جامعة تتولى تأليف كتاب عن حقوق الإنسان لتدريسه على طلابها، وبناء عليه أصدر رئيس الجامعة قراره المشار إليه، بتشكيل لجنة ضمت من بينها الطاعن لإعداد المحتوى العلمي لمقرر حقوق الإنسان، كما أصدر رئيس الجامعة قراره رقم 50 في 11/1/2005 بتكليف الطاعن بإلقاء بعض المحاضرات مع زملائه، كما أن اشتراك الطاعن في تأليف الكتاب المشار إليه لا يحتاج إلى إذن وفقاً للمادة (143) من قانون حماية الملكية الفكرية الصادر بالقانون رقم 82 لسنة 2002 ويحق له تقاضي المقابل النقدي أو العيني الذي يراه عادلاً نظير نقل حقه إلى الغير، ومن ثم فإن قيامه باستغلال مصنفه التعليمي المشترك لا مخالفة فيه، إذ التأليف يدخل في غمار الملكية الفكرية وأن التدريس يتسع له، إذ لا يعتبر في حكم الندب، والقول بغير ذلك يؤدي إلى تكرار انتداب العضو في جهة واحدة لعدة مرات، وهو ما يأباه المنطق القانوني السليم ويشذ عنه.

ثانيا- إن القرار المطعون فيه انطوى على عيب إساءة استعمال السلطة والانحراف بها، إذ توجد خصومة سابقة بين الطاعن والسيد الأستاذ المستشار/ … رئيس مجلس الدولة، قبل توليه رئاسة المجلس لرفض الطاعن الاقتران بإحدى قريباته، وانعكس ذلك على ما اتخذه رئيس المجلس من تصرفات، تبدت في رفضه الموافقة على ندبه الأول، وقتما كان عضواً بالمجلس الخاص، وعند تولي رئاسة المجلس طلب من رئيس الجامعة – بمناسبة طلبه تجديد ندبه للعام الرابع – سحب طلب التجديد، وطلب ندب زميل آخر، إلا أن رئيس الجامعة أصر على موقفه، وقبول رئيس المجلس تقرير هيئة الرقابة الإدارية فيما تضمنه من تولي الطاعن التدريس والاشتراك في تأليف كتاب عن حقوق الإنسان، وهو ما يشكل عدواناً على أعضاء الهيئة القضائية، والتأشير على هذا التقرير للتفتيش الفني وندب أحد أعضائه للتحقيق فيه، رغم أنه لم يكن يستأهل هذا الإجراء الشديد، فضلاً عن أنه عند صدور حركة أعضاء محكمة القضاء الإداري في أغسطس 2006 كان الطاعن عضواً بهذه المحكمة، ثم فوجئ في اجتماع الجمعية العمومية للمحكمة المذكورة بتوزيعه على هيئة مفوضي الدولة نزولاً على ما ارتآه رئيس المجلس، وأخيراً الإساءة إلى سمعة الطاعن، إذ أرسلت إدارة مجلس الدولة ما جملته 21 خطاباً إلى رئيس الجامعة للاستفسار عن القرارات التي أصدرها، والأعمال التي يقوم بها الطاعن داخل الجامعة والمكافآت التي يتقاضاها. واستطرد الطاعن قائلاً: إن كل ما تقدم يكشف وبما لا يدع مجالاً للشك عن أن كل ما اتخذته إدارة مجلس الدولة من إجراءات حياله في سبيل رفض تجديد الندب لم تستهدف المصلحة العامة، وإنما استهدفت حرمانه من تجديد الندب كمستشار قانوني لرئيس جامعة الإسكندرية للكيد له، وهو ما يكشف بجلاء عن عيب إساءة استعمال السلطة والانحراف بها الذي شاب القرار المطعون فيه.

وقدمت الجهة الإدارية مذكرة بدفاعها في الطعن، على النحو المشار إليه، ضمنتها أن الطاعن لم يحدد قراراً إيجابياً تخطاه في الندب، كما أن سلطة جهة الإدارة بخصوص الموافقة على تجديد الندب من عدمه هي محض سلطة تقديرية لها، وللمجلس الخاص للشئون الإدارية بموجب نص المادتين 68 مكرراً و 88 من قانون مجلس الدولة سلطة تقديرية واسعة سواء في الندب أو الموافقة على تجديده، ومن ثم وإذ لم تكن جهة الإدارة ملزمة قانونا باتخاذ قرار بتجديد ندب الطاعن، فمن ثم لا يتوافر في الطعن الماثل أي قرار إداري إيجابي أو سلبي يمكن الطعن عليه، وبالتالي يكون الطعن غير مقبول شكلاً لانتفاء القرار الإداري، ومن ثم يكون الدفع قد جاء متفقا وصحيح القانون والواقع، ومن ثم متعينا الأخذ به والحكم على مقتضاه.كما أن رفض المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة تجديد الندب يأتي مراعاة لمصلحة وظروف العمل بالمجلس، وعدم تأثير الندب في مقتضيات حسن سيره، ومن ثم يكون مسلك جهة الإدارة –والحالة هذه– قائما على سببه الصحيح المبرر له قانونا، ومن ثم يكون الطعن عليه قد جاء غير قائم على أسبابه المبررة له قانونا، خليقاً بالرفض.

ومن حيث إنه عن الدفع المبدى من الإدارة بعدم قبول الطعن شكلاً لانتفاء القرار الإداري المطعون فيه على سند من القول إن الندب أو تجديده مما يدخل في نطاق السلطة التقديرية للإدارة، ومن ثم فإنها غير ملزمة قانوناً باتخاذ قرار بتجديد الندب، ويكون رفضها اتخاذه أو الامتناع عن ذلك لا تقوم معه للقرار السلبي قائمة، فذلك مردود عليه بأنه ولئن كان ذلك صحيحاً، إلا أن الثابت من الأوراق ومن كتاب المستشار الأمين العام للمجلس المؤرخ 5/2/2007 الموجه إلى رئيس جامعة الإسكندرية في شأن طلب تجديد ندب الطاعن للعمل مستشاراً قانونياً لرئيس الجامعة، أن المجلس الخاص بمجلس الدولة قرر بجلسته المعقودة بتاريخ 28/1/2007 عدم الموافقة على تجديد ندب الطاعن، ومما أكد ذلك، ما جاء بمذكرة الجهة الإدارية رداً على الطعن، بصدور هذا القرار، على الوجه المشار إليه. ومن ثم فإن المنازعة الماثلة تتمخض عن اختصام قرار الإدارة الإيجابي بعدم الموافقة على تجديد الندب، ويكون الدفع الماثل ــ والحالة هذه ــ غير قائم على أساس سليم من الواقع أو القانون جديرا بالرفض.

ومن حيث إنه عن موضوع الطعن، فإن المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن ندب أعضاء مجلس الدولة كل الوقت أو في غير أوقات العمل الرسمية طبقاً لنص المادتين 68 مكرراً و 88 من قانون مجلس الدولة محض سلطة تقديرية للمجلس الخاص للشئون الإدارية، وذلك بمراعاة مصلحة وظروف العمل، وعدم تأثير الندب على حسن سيره أو تعارضه مع استقلال وكرامة القضاء، ولا معقب على قرار المجلس الخاص في ذلك، ما دام قراره قد خلا من إساءة استعمال السلطة.

ومن حيث إن المستقر عليه فقهاً وقضاء أن قرارات الإدارة المبنية على سلطة تقديرية شأنها في ذلك شأن القرارات المبنية على سلطة مقيدة، لا تفلت أبداً من رقابة المشروعية، بل تخضع لهذه الرقابة خضوعاً تاماً، ويباشر القاضي سلطته المباشرة على سائر أركان القرار الإداري سواء تمتعت الجهة الإدارية باختصاص تقديري في خصوصه أو لم تتمتع به.

وقد جرى قضاء المحكمة الإدارية العليا على أنه في الحالات التي لا يشترط فيها القانون وجوب قيام سبب أو أسباب معينة لإصدار قرار معين يكون للإدارة الحرية في اختيار ما تشاء من الأسباب التي تراها صالحة لبناء قرارها، فإن هي أفصحت عن سبب قرارها بإرادتها فإن المحكمة تراقب صحة قيام هذا السبب، فإن لم تعلن عن السبب ولم يكن هناك نص يلزمها بالإعلان عنه، فإنه يفترض في القرار أنه قام على سببه الصحيح ما لم يُثبِت مَنْ يدعي أنه مشوب بعيب الانحراف بالسلطة.

ومن حيث إن الإدارة أفصحت عن أسباب قرارها، وهي تتبدى في الآتي:

الأول- استنت الإدارة قاعدة عامة مفادها عدم ملاءمة ندب عضو مجلس الدولة المحال لمجلس التأديب أو التحقيق.

الثاني- مباشرة الطاعن أعمالاً في جهة الندب المشار إليها كالتدريس وإلقاء المحاضرات والاشتراك في عضوية لجان، بل مستشاراً لجهاز الشئون الطبية بمستشفي الجامعة دون إذن أو تصريح من مجلس الدولة مخالفاً بذلك للقانون والقاعدة التي قررها المجلس الخاص في هذا الشأن.

ومن حيث إنه عن السبب الأول، وحاصله أن الإدارة استنت قاعدة عامة تقضي بعدم ملاءمة ندب عضو مجلس الدولة المحال لمجلس التأديب أو التحقيق، فمن المسلم به في مبادئ العقاب جنائياً أو تأديبياً أن الأصل في الإنسان البراءة، وهذا الأصل توجبه حقائق الأشياء، وحرص الدستور على إيراده في المادة 67 من الدستور، مؤكداً ما قررته المادة (11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ومن المقرر أن أصل البراءة يعد قاعدة أولية توجبها الفطرة التي جبل الإنسان عليها، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية، وهذا الأصل كامن في كل فرد باعتباره قاعدة جوهرية أقرتها الشرائع جميعاً، ولا يزحزح أصل البراءة ولا ينقض محتواه مجرد تهمة مشكوك فيها، أو مبناها أدلة لا يجوز قبولها قانوناً.

(حكم المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 17149 ق، جلسة 15/6/1996)

ومن حيث إن الأصل في الإنسان البراءة، يستمد من الشخصية الإنسانية، وهو أصل في الإنسان، ولا يسقط عن الفرد إلا بحكم قضائي بات، صادر بالإدانة، وذلك أساسه في قاعدة الاستصحاب، بحسبانها قاعدة أصولية منطقية، مبنية على استصحاب البراءة الأصلية.

ومن حيث إنه بتطبيق ما تقدم في خصوص عدم تجديد ندب الطاعن لمجرد إحالته إلى مجلس التأديب، فإن ذلك لا يعدو أن يكون عقوبة، وإنه لما كان لا يوجد ثمة نص ظاهر العبارة في القانون يرتب عقوبات أو آثارا تبعية تلحق بعضو مجلس الدولة نتيجة إحالته لمجلس التأديب.

وإعمالاً لهذا الفهم السليم للمبادئ القانونية يحرص المشرع دائماً على النص صراحة على الآثار التبعية لكل عقوبة جنائية أو تأديبية، دون أن يترك ذلك لعلة التفسير، وإلا فإن القول بغير ذلك يتضمن ابتداعاً لعقوبة تبعية لم ترد في القانون مخالفا بذلك الأصل الذي يقضي بأنه لا عقوبة بغير نص. (في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 340/23 ق، جلسة 9/4/1977).

ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم، فإن القرار المطعون فيه وقد ذهب إلى عدم تجديد ندب الطاعن تطبيقاً لقاعدة عدم ملاءمة ندب عضو مجلس الدولة المحال لمجلس التأديب أو التحقيق بغض النظر عن بحث مدى مشروعيتها، فإنه يكون قد جاء مخالفاً لصحيح حكم القانون.

ومن حيث إنه عن السبب الثاني وحاصله أن الطاعن كان يباشر أعمالا في جهة ندبه على الوجه السالف بيانه، بالمخالفة لقانون المجلس والقاعدة التي قررها المجلس الخاص في هذا الشأن، فإن المادة (88) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 المعدلة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 تنص على أنه: “يجوز ندب أعضاء مجلس الدولة كل الوقت أو في غير أوقات العمل الرسمية أو إعارتهم للقيام بأعمال قضائية أو قانونية لوزارات الحكومة ومصالحها أو الهيئات العامة…”.

ومن حيث إن من مفاد هذا النص أن الندب يكون للقيام بأعمال قانونية، وعبارة “أعمال قانونية” من العموم والاتساع بحيث تشمل كل عمل ذي صلة بالقانون، وتتعدد صور الأعمال القانونية وهي لا تقع تحت حصر، والمعيار المميز للأعمال القانونية عن غيرها، هو معيار موضوعي وليس معياراً شخصياً أو ذاتياً، وذلك بالبحث في كنه العمل القانوني لاستظهار طبيعته.

ومن حيث إن الأعمال التي كان يباشرها الطاعن في جهة الندب كالتدريس وإلقاء المحاضرات والاشتراك في عضوية لجان، وكمستشار لجهاز الشئون الطبية بمستشفى الجامعة، فإنها تندرج في نطاق الأعمال القانونية التي يباشرها عضو مجلس الدولة في الجهة المنتدب إليها، ما دامت قد أُسندت إليه بقرار من السلطة المختصة بجهة الندب ووفقاً لتقديرها، سواء في الجهة ذاتها أو إحدى الوحدات التابعة لها، كما هي الحال، بالنسبة لجهاز الشئون الطبية، وذلك بما يحقق مصلحة العمل وانتظامه، وفي إطار ما شرع له الندب من معاونة جهات الإدارة في أداء رسالتها في ضوء المبادئ التي أرساها مجلس الدولة إعمالا لمبدأ المشروعية (سيادة القانون).

ومن حيث إنه متى ثبت ما تقدم، فإن القرار المطعون فيه وقد اتخذ السبب المتقدم، سندا له، فإنه يكون قد جانبه الصواب وصحيح حكم القانون.

ومن حيث إنه بافتراض قيام المخالفات المنسوبة للطاعن فإن الثابت من المستندات المقدمة من الجهة الإدارية أن المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة قرر بجلسته الثانية عشرة خلال العام القضائي 2006/2007، المعقودة في 29/4/2007 (أنه مراعاة لمصلحة العمل، وحرصاً على مكانة السادة أعضاء مجلس الدولة، قرر أن يكون الندب قاصراً على الجهة الواردة بقرار المجلس الخاص، ولا يجوز لأية جهة منتدب إليها عضو مجلس الدولة أن توسد للعضو أي عمل آخر إلا بعد الرجوع لمجلس الدولة، ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للمساءلة التأديبية)، كما قرر بجلسته الثالثة عشرة، المعقودة بتاريخ 13/5/2007 قاعدة عدم ملاءمة ندب عضو مجلس الدولة المحال للتحقيق، كما أضاف بجلسته التاسعة عشرة المعقودة بتاريخ 30/9/2007 إلى عجز القاعدة السابقة عبارة “أو لمجلس التأديب”.

ولما كان ذلك وكان قرار المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة بعدم الموافقة على ندب الطاعن مستشاراً قانونياً لرئيس جامعة الإسكندرية صدر بجلسته المعقودة بتاريخ 28/1/2007، ومن ثم تكون القواعد التنظيمية التي قررتها الجهة الإدارية لا تنصرف إلى حالة الطاعن، وإنما تنصرف إلى الوقائع التي تجد في المستقبل، وإذ انتهى ندبه قبل إقرار القواعد التنظيمية السابقة، فإن استناد القرار المطعون فيه إلى مخالفة الطاعن تلك القواعد، يكون قد انطوى على إعمال قواعد لم تكن قائمة وقت تجديد ندبه، وبالتالي يغدو استناداً غير سائغ عقلاً ومنطقاً، بل وواقعا وقانوناً، ويقطع – بلا ريب – في كون الأعمال التي باشرها الطاعن على النحو السالف بيانه، كانت مطابقة للقانون، ولا يشوبها شائبة، ولم تكن ثمة حاجة إلى رجوع الجهة المنتدب إليها الطاعن لمجلس الدولة للإذن له بمباشرتها.

ومن حيث إنه طبقاً لما تقدم، يكون القرار المطعون فيه قد جانبه الصواب ووقع مخالفاً للقانون، وهذا السبب يكفي لإلغاء القرار دونما حاجة إلى بحث عيب إساءة استعمال السلطة، بحسبانه عيباً احتياطياً، لا سبيل لمناقشته بعد أن ثبت مخالفة القرار المطعون فيه لأحكام القانون.

وجدير بهذه المحكمة أن تشير إلى ما طويت عليه الأوراق من سيرة ذاتية للطاعن تمتد لسنين طويلة تقلد فيها إلى جانب أعمال وظيفته بمجلس الدولة أعمالاً جليلة في جهات الدولة المختلفة تنبئ عن شخصية متميزة بالعلم والمعرفة حتى أصبح تهافت الجهات الإدارية والسلطات العامة على خدماته القانونية سمة غالبة، حيث شارك في لجان مجلس الشعب لإعداد بعض القوانين، وكلفته جامعة الإسكندرية بإعداد المحتوى العلمي والعملي لمادة حقوق الإنسان، وإلقاء المحاضرات على طلابها في عديد من الكليات، وكان موضعاً لثناء مجلس الجامعة.

ومن حيث إنه عن طلب الطاعن تنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان نظراً لمضي أكثر من 6 أشهر على صدور القرار المطعون فيه، واتجاه نية الجامعة إلى ندب غيره، فضلاً عن خشية جهة الإدارة عرقلة تنفيذ الحكم، فإن المحكمة مراعاة للاعتبارات التي ساقها الطاعن، ارتأت الاستجابة لطلب الطاعن، وتقضي بتنفيذ الحكم بموجب مسودته وبغير إعلان، عملاً بحكم المادة 286 مرافعات.

ومن حيث إنه لما تقدم جميعه، ولما كان القرار المطعون فيه قد شابه عيب مخالفة القانون فإنه يكون جديراً بالإلغاء، وما يترتب على ذلك من آثار، وتنفيذ الحكم بموجب مسودته وبغير إعلان.

ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.

فلهــذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدفوع المثارة بعدم قبول الطعن وبقبوله، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وأمرت بتنفيذ الحكم بموجب مسودته وبغير إعلان، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.

 

تعليقات