حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 7965 لسنة 60 بتاريخ 28/09/2016 الدائرة السادسة بقبول طالب بكلية الشرطة
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
الدائرة السادسة – موضوع
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور / محمد عبد الرحمن القفطى نائب رئيس مجلس الدولة
ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين / عبد الفتاح أمين عوض الله الجزار نائب رئيس مجلس الدولة
/ سمير يوسف الدسوقي البهي نائب رئيس مجلس الدولة
/ عاطف محمود أحمد خليل نائب رئيس مجلس الدولة
/ د . محمود سلامة خليل نائب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشار / محمد مغربي محمد مفوض الدولة
وسكرتارية الأستاذ / صبحي عبد الغني جودة أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الطعن رقم 7965 لسنة 60 ق. ع
المقام من
...................................... بصفته وليا طبيعيا علي نجله (........................)
ضـــــــــــــد
1- وزير الداخلية 2- مدير أكاديمية الشرطة ............... بصفتهما
في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري(الدائرة السادسة) في الدعوى رقم 16278لسنة 67 ق بجلسة 5/9/2013
الإجراءات
في 14/11/2013 أودع وكيل الطاعن – المحامي بالنقض والإدارية العليا – قلم كتاب المحكمة تقريرا بالطعن الماثل في الحكم المشار إليه – الذي قضي بقبول الدعوى شكلا ً، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المدعي مصروفاته ، وبإحالة الدعوي إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقريراً بالرأي القانوني في موضوعها .
وطلب الطاعن في تقرير الطعن – لما ورد به من أسباب– الحكم بقبول الطعن شكلا ً، وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغائه ، والقضاء مجدداً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم قبول نجله بكلية الشرطة ، وما يترتب على ذلك من آثار ، وإلزام جهة الإدارة المصروفات .
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن .
وجرى نظر الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت من محاضر الجلسات ، وقد أرجات المحكمة إصدار الحكم فيه لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم ، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به .
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا .
من حيث إن الطاعن – بصفته – يطلب الحكم بطلباته السالفة .
ومن حيث إن الطعن قد أستوفي سائر أوضاعه الشكلية ، فمن ثم يكون مقبولا شكلاً .
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أن الطاعن– بصفته – كان قد أقام الدعوى الصادر فيها الحكم الطعين بموجب عريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري ( الدائرة السادسة ) بتاريخ 27/12/2012، طلب في ختامها الحكم بوقف تنفيذ ، وإلغاء قرار وزير الداخلية باعتماد نتيجة قبول الطلبة الجدد بكلية الشرطة لعام 2012 / 2013 ، فيما تضمنه من عدم قبول نجله ضمن الطلبة المقبولين ، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات .
وذكر شرحا ً للدعوى :- أن نجله حصل على شهادة الثانوية بنسبة (76.5 %)، وتقدم بأوراقه للالتحاق بكلية الشرطة في العام الدراسي 2012 /2013 ، واجتاز جميع الاختبارات المقررة إلا أنه فوجئ بصدور قرار وزير الداخلية بإعلان نتيجة القبول بكلية الشرطة دون أن يتضمن هذا القرار اسم نجله بحجة أنه حصل على مجموع أقل من 207 % وهو الحد الأدنى الذي حصل عليه أقل طالب تم قبوله بالكلية هذا العام ، فتظلم من القرار المطعون فيه دون جدوى ونعى على القرار المطعون فيه مخالفته القانون ، وخلص في ختام عريضة دعواه إلى طلباته آنفة البيان .
وبجلسة 15/9/2013 ، أصدرت المحكمة حكمها الطعين ، بعد استعراض حكم المواد (10) و(11) و (12) من القانون رقم 91 لسنة1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة – معدلاً بالقانونين رقمي 53 لسنة 1978 و30 لسنة 1994، والمواد (1) و (2) من قرار وزير الداخلية رقم 864 لسنة1976 بشأن اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة – معدلة بالقرارات الوزارية أرقام 453 لسنة 1992 و3856 لسنة 1992 و2695 لسنة 2012 ، وأن – البادي من ظاهر الأوراق – أن نجل المدعي ( الطاعن– بصفته – بالطعن الماثل ) حصل على شهادة الثانوية العامة في العام الدراسي 2011/2012، وتقدم بطلب للالتحاق بكلية الشرطة في هذا العام واجتاز جميع الاختبارات المقررة وجاء المجموع الاعتباري له بنسبة مئوية قدرها ( 186.5 % ) وهي تمثل : نسبة درجاته في امتحان شهادة الثانوية العامة، وبنسبة درجاته في السمات واللياقة البدنية ، إلا أنه تم استبعاد الطالب المذكور من المقبولين بكلية الشرطة عن هذا العام لعدم حصوله على الحد الأدنى للنسبة التي تم قبولها وهي (207 % ) ، وإذا لم يقدم المدعي ما يفيد أن استبعاد نجله قد جاء على خلاف الواقع والقانون، وأن اللجنة المذكورة قد تغيت غاية خلافا للصالح العام أو أساءت استعمال سلطتها التي خولها إياها القانون، وقد خلت أوراق الدعوى من أي دليل علي تنكب الجهة الإدارية بالمصلحة العامة أو أنها انحرفت في استعمال سلطتها وأساءت استعمالها ، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر متفقاً وصحيح حكم القانون مبرأ من عيوب المشروعية غير مرجح الإلغاء ، وعليه يكون القرار المطعون فيه الصادر بإعلان نتيجة القبول بكلية الشرطة للعام 2012 /2013 ، فيما تضمنه من عدم إدراج اسم نجل المدعي ضمن المقبولين بالكلية لهذا العام ، قد قام على سببه الصحيح الذي يبرره قانونا، مما ينتفي معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه ، ويغدو طلبه غير قائم على سند صحيح من الواقع أو القانون ، وعليه قضت المحكمة برفضه دون حاجة إلى استظهار ركن الاستعجال لعدم جدواه .
دون أن ينال من ذلك الدفع بعدم جواز تطبيق اللائحة الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 2695 لسنة 2012 لصدورها في 18/11/2012 – بعد انتهاء امتحانات واختبارات الطلبة ، وقبل إعلان النتيجة في 20/11/2012 – بحسبان أن البندين (5) و (7) من المادة العاشرة من قانون أكاديمية الشرطة – المشار إليه وتعديلاته – قد تضمنا النص على اختصاص المجلس الأعلى لأكاديمية الشرطة بوضع الشروط الخاصة باللياقة الصحية والبدنية والسن ، ومعايير المفاضلة بالنسبة للطلبة المرشحين للقبول بكلية الشرطة، وترتيباً عليه فقد صدر قرار مجلس الأكاديمية بجلسته رقم 262 في 14/8/2002 ، والذي اعتمد من وزير الداخلية في 22/8/2012 ، بهذه التعديلات ، ومعايير المفاضلة ، كما عرضت على المجلس الأعلى لهيئة الشرطة في 19/9/2002 ، والمعتمدة في 20/9/2012 ، وتم وضع كافة هذه التعديلات في دليل الطالب المسلم لكل من تقدم للالتحاق بكلية الشرطة لعام 2012/2013 ، ووقع كل من الطالب وولي أمره بعلمهما بهذه الشروط وإطلاعهم على كراسة القبول والاختبارات ، ودليل إجراءات الالتحاق بكلية الشرطة ، وهو ما يتعين معه الاعتداد بما ورد بهذه الإقرارات باعتبارها جزء لا يتجزأ من التعديلات على اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة واجبة التطبيق على النزاع الماثل . كما لا يغير من هذا النظر نشر هذه التعديلات بالوقائع المصرية في 18/11/2012، إذ استوفت تلك التعديلات إجراءاتها القانونية بصدورها من مجلس الأكاديمية في 14/8/2012 ، واعتمادها من وزير الداخلية في 22/8/2012، والعرض على المجلس الأعلى لهيئة الشرطة في 19/9/2012– والمعتمد في 20/9/2012 – باعتبار أن مجلس الأكاديمية هو الجهة المختصة قانونا ً بإجراء هذه التعديلات، فضلا ً عن أنه - كما سلف – قد تحقق علم الطالب وولي أمره بها بالتوقيع على العلم بها . واستلام دليل الطالب متضمنا ً لها قبل التقدم بطلب الالتحاق بالكلية .
كما لا ينال منه – أيضاً– اختلاف النسبة المئوية الحاصل عليها الطالب، والتي لا تتناسب والدرجة التي حققها بالمقارنة بزميل آخر حقق درجة أقل ، ونسبة مئوية أعلي ، ذلك أن المستفاد من المذكرة المقدمة من اللجنة التابعة لوزارة الدفاع – إدارة الشئون المعنوية – مركز الشئون النفسية – والتي تتولي أعمال هذا التقييم ( السمات ) من بدايته إلى نهايته ، أن اللجنة قامت بوضع بطارية تحتوي على مجموع من الاختبارات التي تم صياغتها في صورة أسئلة لتحديد مدي التوافق المستقبل للطالب مع مهام ضباط الشرطة ، وترصد له درجاته آليا دون تدخل العنصر البشري طبقا ً للبرنامج العالمي (h r s ) منظومة الموارد البشرية المعد لهذا الغرض، والمطبق منذ عام 1994 بمركز الشئون النفسية للقوات المسلحة بما يتناسب مع طبيعة الشخصية المصرية ، والذي يشرف على تنفيذه اللجنة العالمية المشار إليها، ويتم إجراء هذه الاختبارات على الحاسب الآلي من خلال برنامج معد لهذا الغرض حيث يقوم الطالب قبل أداء الاختبار بوضع بياناته ثم الإجابة على الأسئلة المعدة للنموذج المعروض عليه بالحاسب الآلي ، ويتم تلقائياً عقب الانتهاء من الإجابة تصحيحاً آليا دون تدخل العنصر البشري، وتظهر نتيجة اختبار السمات في صورة بروفايل خاص بكل طالب. ويسند حساب نسبة النجاح في اختبار السمات إلى أن كل مجموعة من الطلبة المتقدمين للامتحان لها نظام حيث يتم الأخذ بالسقف الأعلى لكل مجموعة على حدة حسب أعلي درجة حصل عليها أعلي طالب من ذات المجموعة – تحقيقاً لمبدأ العدالة ، والمساواة بين الطلبة – وتعتبر هذه الدرجة هي السقف الأعلى الذي تحسب عليه النسبة المئوية ، وترتيباً عليه فإن مبرر الاختلاف بين النسبة المئوية والدرجة الحاصل عليها كل طالب في كل مجموعة على حدة يستند إلى قواعد موضوعية عامة مجردة دون تدخل أي عنصر بشري مما تطمئن إليه المحكمة ، وتأخذ به طبقا ً للنتيجة الثابتة بملف الطالب ، وخلصت المحكمة إلى حكمها السالف البيان .
وإذا لم يلق هذا القضاء من الطاعن – بصفته - فقد أقام طعنه الماثل بطلباته – المشار إليها – على أسباب حاصلها : مخالفة القانون، والخطأ في تطبيقه، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، ذلك أن جهة الإدارة لم تقم بإيداع مستندات الموضوع التي تحت يدها تمكينا للعدالة من أن تأخذ مجراها، كما التفت الحكم الطعين على ما أبداه من دفاع بأن هناك من الطلبة المقبولين بكلية الشرطة غير لائقين طبيا. ومن وجه آخر، فإن نجله قد استوفي كافة الشروط المقررة للقبول بكلية الشرطة باجتيازه جميع الاختبارات المؤهلة للقبول في هذا الصدد، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه فاقدا لسنده من صحيح حكم القانون، وخلص الطاعن إلى طلباته السالف بيانها .
وحيث إن مناط الطعن الماثل – وقف تنفيذ المطعون فيه ، فيما تضمنه من استبعاد نجل الطاعن من القبول بكلية الشرطة في العام الدراسي 2012 / 2013 ، وما يترتب على ذلك من آثار .
ومن حيث إنه من المقرر أنه يلزم للقضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وفقا لحكم المادة (49) من قانون مجلس الإدارة ، توافر ركني الجدية والاستعجال بأن يكون هذا القرار بحسب الظاهر من الأوراق مرجح الإلغاء، وأن يكون من شأن تنفيذه تحقق نتائج يتعذر تداركها .
ومن حيث إنه عن ركن الجدية ، فإن قضاء هذه المحكمة قد جري على أنه من المقرر عند بحث مشروعية القرار الإداري ، فإن دور القضاء يقتصر على بحث مصداقية السبب الذي أفصحت عنه جهة الإدارة للقرار ، ولا يسوغ له أن يتعداه إلى ما وراء ذلك بافتراض أسباب أخري يحمل عليها القرار ، بحسبان أن صحة القرار الإداري تتحدد بالأسباب التي قام عليها ومدي سلامتها على أساس الأصول الثابتة في الأوراق وقت صدور القرار، ومدي مطابقتها للنتيجة التي انتهي إليها .
( في هذا المعني : حكم الإداري العليا في الطعن رقم 22916 لسنة 52 ق عليا بجلسة 26/6/2013 )
ومن حيث إن البادي من ظاهر الأوراق – بما يكفي للفصل في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه دون مساس بطلب الإلغاء – أن جهة الإدارة – على نحو ما تضمنته مذكرة دفاع كلية الشرطة ردا على الدعوى أمام المحكمة بجلسة 3/9/2014 – قد أبدت لاستبعاد نجل الطاعن من قائمة الطلبة المقبولين بكلية الشرطة في العام الدراسي 2012/2013 ، سببين – الأول : تدني مجموع النسبة لعناصر المفاضلة الحاصل عليها الطالب بحصوله على مجموع (........% ) وفقا ً لأحكام اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة– وتعديلاتها .والثاني : عدم توافر شرط حسن السمعة، والسيرة المحمودة لبعض أقاربه.
ومن حيث إنه عن السبب الأول : فإنه يبين من الإطلاع على اللائحة المشار إليها ( الجديدة ) أنها قد تضمنت إجراءات وقواعد وسبل تقييم المتقدمين للالتحاق بكلية الشرطة تتباين وتلك التي انتظمتها اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 864 لسنة1976 – وتعديلاته – ومن ذلك ما تضمنته اللائحة الأخيرة ( القديمة ) في البند الخامس من مادتها الأولي معدلة بالقرار رقم 15821لسنة2002 ، من أن تكون المفاضلة بين الطلبة راغبي الالتحاق بالكلية الذين تتوافر فيهم الشروط المقررة على أساس مجموع الدرجات الاعتبارية التي يحصل عليها الطالب في جميع العناصر الأساسية للمفاضلة بين الطلبة والتي تشمل النسبة المئوية الحاصل عليها في شهادة إتمام الدراسة الثانوية وسن الطالب واختبارات اللياقة البدنية وتقرير لجنة الاختيار وذلك حال أن اللائحة الجديدة لم تخول لجنة الاختيار ثمة تقدير ، ومن ناحية ثانية – فقد بان جلياً اختلاف الدرجات الاعتبارية لطائفة من الاختبارات بين اللائحتين اللياقة البدنية – السمات . بل لم ترصد اللائحة الأخيرة ( الجديدة ) ثمة درجات لقفزة الثقة مكتفية بكون من أداها لائق أو غير لائق حال أن اللائحة السابقة عليها أفردت لذلك درجات تتباين ومدى أداءها .
ومن حيث إنه من المستقر عليه – فقها وقضاء – أنه ما لم يكن القرار الإداري – تنظيمياً كان أم فردياً– قد صدر تنفيذا لقانون ذا أثر رجعي أو تنفيذ لأحكام صادرة بإلغاء قرار إداري ، فإن نفاذه يضحي محكوماً بالأصل المقرر في نفاذ القرارات الإدارية ، وحاصلة أن يقترن نفاذها بتاريخ صدورها بحيث تسري للمستقبل ولا تسري بأثر رجعي ، وذلك احتراما ً للحقوق المكتسبة واستقرار الأوضاع والمراكز القانونية ، إذ القاعدة القانونية بحسبانها تنطوي على تكليف بأمر أو بسلوك معين، فمن المنطقي أن يكون هناك تحديد واضح للعمل بها بحيث يكون الأفراد المخاطبين بأحكام هذه القواعد على بينة من أمرهم من احترام ما أتت به القاعدة القانونية من أمر أو نهي، باعتبارها أنها تحكم الوقائع والمراكز – القانونية – التي تتم تحت سلطانها أي في الفترة ما بين العمل بها وإلغائها ، أي إبان المجال الزمني لتطبيقها ، بما يستلزم بداهة الإعلام بها قبل فرضها ، إذ أن إخطار المتخاطبين بها يعد شرطا ً لإنبائهم بمحتواها ونفاذها في حقهم ، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال نشرها – لائحة كانت أم قانون – وحلول الميعاد المحدد لبدء سريانها ، فالنشر حمل القاعدة إلى علم المخاطبين بها ليحددوا مسلكهم على ضوئها، أو يتحملوا عاقبة تنصلهم من طاعتها والتزام حدودها ، وإذ المفاجأة بوجود قاعدة – لائحية أو قانونية – لا يكون من وراءه إلا ضياع حق ، أو إلحاق ضرر ما كان لذوي الشأن مفاداته في ظل غياب الإعلان عن القاعدة قبل نشأة أو تمام تكون مركزهم القانوني الذي تسيطر عليه تلك القاعدة القانونية ، فتطبيق لائحة قبل صدورها بل قبل نفاذها بنشرها وبدء سريانها يحمل قدراً من الجرأة على الشرعية، والاستهانة بالنظام القانوني برمته ، إذ تتصادم عندئذ مثل هذه القاعدة اللائحية المفتقرة لأوضاعها الشكلية ومفهوم الدولة القانونية التي لا يتصور وجودها ولا مشروعية مباشرتها لسلطاتها إلا بخضوعها للقانون وسموه عليها باعتباره قيدا ً على كل تصرفاتها وأعمالها ، لذا جاءت الأصول الدستورية مؤكدة ذلك الأصل الطبيعي من حيث عدم انعطاف أثر القاعدة القانونية على الماضي إلا استثناء ووفق ضوابط وشروط محددة.
وحيث إنه وهدياً بما تقدم ، وكان البين من رد جهة الإدارة – أنها اتخذت من الإجراءات والضوابط التي تضمنتها اللائحة المتعلقة بقواعد وإجراءات القبول بأكاديمية الشرطة والتي بدأ العمل بها بتاريخ 19/11/2012 سنداً لقرارها الطعين ( حيث نشرت هذه القواعد بعدد الوقائع المصرية رقم 260 تابع (أ) في 18 نوفمبر سنة 2012 ، وأن العمل بها قد تم اليوم التالي لتاريخ نشرها) حال أن البين– من ظاهر الأوراق– صدور القرار المطعون عليه بتاريخ 20/11/2012 – وبعد تمام كافة الإجراءات والاختبارات المتصلة بالقبول بالأكاديمية قبل بدء نفاذ وسريان اللائحة المشار إليها ، الأمر الذي يوقع القرار المطعون عليه في حومة مخالفة القانون .
وحيث إن المحكمة وهي تقضي بالقضاء المتقدم – وعلى ما سيرد بمنطوق حكمها – لتنوه أنها تدرك الصعوبات التي تواجه الإدارة حال تنفيذ حكمها ، إلا أنها تؤكد أنه لا مناص لجهة الإدارة بعد أن تكشف لها الحق أن ترجع إليه. فإن الحق قديم لا يبطله شئ والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ، ذلك أن القرار الإداري متى استجمع كافة مقوماته وسماته يعد نافذا من تاريخ صدوره ، ولا يجوز سحبه إلا خلال المواعيد المقررة للطعن القضائي ، ومن ثم يتحصن بفوات تلك المواعيد مهما كان وجه الخطأ أو مخالفة القانون في شأنه طالما لم تنحدر المخالفة به إلى درك الانعدام ، وذلك كله استجابة لدواعي المصلحة العامة التي لا تستقيم موجباتها إلا باستمرار الأوضاع القانونية المترتبة على القرارات الإدارية المعيبة ، وهو الأمر الذي عمد بسببه التشريع والقضاء – وفي مجال التفرقة بين القرار الباطل والقرار المنعدم إلى تغليب عنصر الاستقرار حال فوات ميعاد الطعن بالإلغاء والسحب على القرار الباطل ، وذلك أن التصرف المعيب في مجال الولايات العامة لا يتعلق أثره بوضع فردي يسهل رده إلى ما كان عليه ويتيسر حصر آثاره المتعاقبة كبيع أو إجارة أو نحوه إنما يتعلق هذا التصرف المعيب في مجال الولايات العامة دائما ً بأعمال متتابعة وآثار متعاقبة ويتداخل بعضها في بعض بموجب النظام المؤسس الذي تقوم عليه الأجهزة التي تمارس تلك الولايات العامة، وما يتفرع من تفريعات بعضها يترتب علي بعض بأصول متداخلة ، وبفروع متشابكة ، والتصرف الإداري إن بطل أو ألغي إنما تترتب عليه من التفريعات والآثار ما قد يصعب حصره ومتابعته. ومن ثم رجح المشرع عنصر الاستقرار بتحديد الأجل الذي يمكن فيه الطعن على القرار من ذي مصلحة وجعل السحب فرعا ً من الطعن ميعاداً وأسبابا ً بما مقتضاه أن يقتصر إعمال أثر البطلان على التصرف المعيب ، ومن ناحية أخري، فإنه ولئن كانت أحكام الإلغاء صدوراً عن الطبيعة العينية لدعوى الإلغاء إنما تتسم بالحجية المطلقة إلا أنه ليس من مقتضيات هذه الحجية أن تهدم قاعدة أخري أصلية وهي قاعدة الأثر النسبي للأحكام عامة وامتناع انتفاع الغير كمبدأ بآثار هذه الأحكام ، إذ تقتصر الاستفادة من نتائج الإلغاء المباشرة على من أقام دعوى الإلغاء في الميعاد دون تقاعس عن إقامتها تهاونا ً أو تهيبا ً ، ذلك أن تحديد ميعاد الطعن بالإلغاء وثيق الصلة بمبدأ استقرار المراكز القانونية ، ولقد حرص القضاء الإداري على التوفيق والملائمة بين التزام هذه النسبية بقصر آثار الحكم على طرفي الخصومة وبين احترام تلك الحجية المطلقة بإعطاء تلك الحجية بالنسبة للآثار القانونية المترتبة على الإلغاء لزاما ً وفي الأوضاع التي لها ارتباط وثيق وصلة أكيدة بالمراكز الملغاة، ومن ثم يتعين عند تنفيذ حكم الإلغاء التقيد بالحدود التي يحقق فيها التنفيذ مصلحة المحكوم له وحده دون ما يجاوز ذلك .
( في هذا المعني– حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 684 لسنة 24 ق عليا بجلسة 16/6/1984 ، وبهذا أفتت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بجلسة 18/4/2012 – ملف 58/1/343 ) .
ومن ناحية أخرى ، فإن إلغاء القرار الإداري – ووقف التنفيذ شق منه لا يستتبع سوي إلغاء القرار المطعون فيه ، والأثر المترتب عليه ، ولا يمتد إلى قرارات أخري ، فصدور حكم الإلغاء لا يؤدي إلى زوال القرارات الإدارية التالية التي لا تعد أثراً – مباشراً– للقرار الملغي، وذلك نزولا علي مقتضيات المزاوجة بين الشرعية والاستقرار. الأمر الذي مؤداه- أن تنفيذ ما تقضي به المحكمة في هذا الشأن- لا ينبغى أن يؤثر على مراكز قانونية استقرت لطلبة التحقوا بكلية الشرطة وتقرر انتقالهم إلى الصف الثاني وما يتلوه – بحسبان انتقالهم إعلان وكشف عن قرار صادر بذلك – لا يعد أثراً – مباشرا ً – للقرار المطعون عليه ، كما لا يمتد هذا القضاء إلى من تقاعس عن إقامة دعوى الإلغاء تهاوناً أو تهيبا ً وذلك خلال المواعيد المقررة قانونا ً .
ولا ينال مما تقدم ما أشار إليه الحكم المطعون فيه أن التعديلات التي صدر بها القرار رقم 2695 لسنة2012 المشار إليه - قد صدر بها قرار من مجلس إدارة أكاديمية الشرطة بجلسته رقم (262) في 14/8/2012 ، والذي اعتمد من وزير الداخلية في 22/8/2012 ، وأن مجلس إدارة الأكاديمية هو المختص بذلك طبقا ً لنص المادة (10/ 5 ) من القانون رقم 91 لسنة1975– المشار إليه – وأن التعديلات عرضت أيضا ً على المجلس الأعلى لهيئة الشرطة في 19/9/2012 ، واعتمدت منه في 20/9/2012 ، وأنه تم وضع كافة هذه التعديلات في دليل الطالب المسلم لكل من تقدم للالتحاق بكلية الشرطة عام 2012/2013 ، ووقع كل من الطالب وولي أمره بعلمهما بهذه الشروط وإطلاعهم على كراسة القبول والاختبارات المقررة ودليل إجراءات الالتحاق بكلية الشرطة إذ لا عبرة بعلم الطاعن ونجله وسائر الطلاب بهذه التعديلات منذ تسلم كل منهم دليل الطالب وكراسة القبول ، لأنه في ذلك الوقت لم يكن هناك ثمة قرار لائحي قد صدر بهذه التعديلات وفقا ً للإجراءات المنصوص علبها في المادة (34) من القانون رقم 91 لسنة 1975 – المشار إليه – أي لم يكن القرار قد ولد ولم تلحقه أية قوة تنفيذية ، فضلا ًعن أن هذا العلم ليس من شأنه إلغاء أحكام اللائحة الداخلية التي كانت سارية وقتذاك ، ولم يصدر أي قرار بشأنها في حينه ، ومن ثم لا يكون فيما أثارته الجهة الإدارية لحمل السبب الذي ادعته ولا ما يبرر قرارها المطعون فيه .
ومن حيث إنه عن السبب الثاني : لاستبعاد نجل الطاعن على نحو ما تذرعت به الجهة الإدارية من اتهام بعض أقارب الطاعن في قضايا جنائية تفقده شرط حسن السمعة ، لسبق اتهام زوج عمة الطالب المدعو / فتحي محمد محمد خميس في جنحة ضرب بالقضية رقم 10662لسنة2006 جنح دمنهور ، وكذلك خال الطالب المدعو / رجب على عبد الحميد لاتهامه في جنحة تبديد بالقضية رقمن 9922 لسنة2010 جنح حوش عيسي . فإن المادة العاشرة من قانون رقم 91 لسنة 1975 بشأن أكاديمية الشرطة – معدلة بالقانون رقم 155 لسنة 2004 – تنص على أنه يشترط فيمن بكلية الشرطة ، وقسم الضباط المتخصصين : (1) ....... (2) أن يكون محمود السيرة حسن السمعة. (3) ألا يكون قد سبق عليه الحكم بعقوبة جنائية في إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو ما يماثلها في القوانين الخاصة أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة. (4) ألا يكون قد سبق فصله من خدمة الحكومة بحكم أو بقرار تأديبي نهائي - ...... .
ومن حيث إن المشرع لم يحدد أسباب فقدان حسن السمعة والسيرة الحميدة علي سبيل الحصر وأطلق المجال في ذلك لجهة الإدارة تحت رقابة القضاء الإداري- والذي استقرت أحكامه علي أن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هي مجموع من الصفات والخصال التي يتحلي بها الشخص فتكسبه الثقة بين الناس وتجنبه قالة السوء وما يمس الخلق، ومن ثم فهي تلتمس في أخلاق الشخص نفسه إذ هي لصيقة بشخصه ومتعلقة بسيرته وسلوكه ومن مكونات شخصيته ولا يؤاخذ علي صلته بذويه إلا فيما ينعكس منها علي سلوكه، وبالتالي يكون من الإنصاف الاكتفاء في مجال التحري عن الأقارب ببوتقة الأسرة الصغيرة فقط ممثلة في المرشح وأخوته ووالديه دون أن تشمل الأسرة بمعناها الأكبر خاصة إذا لم يكن أحدهم أي من الأسرة بمعناها الأكبر أو بعضهم ممن يخالطه أو يساكنه بما ينعكس علي سلوكه سلبا أو إيجابا حيث لا يخلو أحد من أفراد الأسرة من مشكلة أو نائبة لأي سبب كان.
راجع في هذا المعني: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 31160لسنة53ق.عليا بجلسة 22/6/2008، وحكمها في الطعن رقم 1532لسنة53ق. عليا بجلسة 23/1/2010
ومن حيث إن البادي من الأوراق أن جنحة الضرب المتهم فيها زوج عمة الطالب سالفة الذكر قضي فيها بجلسة 2/6/2007 بالبراءة وأن جنحة التبديد المتهم فيها خال الطالب قضي فيها بجلسة 13/11/2012 بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح. ومن ثم لا توجد أية أحكام جنائية بالإدانة صادرة ضد المذكورين، وهي جرائم على فرض صحتها لا تنال شيئا من شرط حسن سمعة الطالب ، وبالتالي تطرحها المحكمة ولا تعول عليها.
وترتيبا عليه ، ولئن كان ما انتهت إليه تحريات جهة الإدارة بشأن فحص أوراق نجل الطاعن بكلية الشرطة في العام الدراسي 2012/2013 ما يشين بعض أقاربه من الدرجة الثالثة - أي من غير مفهوم الأسرة بالمعنى الضيق حتى الأقارب من الدرجة الثانية - ممثلة في الطالب ووالديه والأخوة والأخوات- فإنه من غير الإنصاف أن يؤخذ الطالب بجريرتهم- سيما وقد خلت الأوراق من ثمة دليل أن في مسلكهم ما ينعكس على سلوكه سلبا أو إيجابا، الأمر الذي تطرحه المحكمة جانبا، ولا تقيم له وزنا.
ومن حيث إنه ترتيبا علي ما تقدم ، فإنه قد توافر ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار الطعين، كما توافرت حالة الاستعجال- لأن القرار المذكور قد حال بينه وبين التحاقه بكلية الشرطة، وما ترتب علي ذلك من آثار علمية وعملية قد يتعذر تداركها فيما لو قضي بإلغائه عند الفصل في الشق الموضوعي من الدعوى . ومن ثم تقضي المحكمة بوقف تنفيذ القرار المذكور مع ما يترتب علي ذلك من آثار.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب خلاف ما تقدم ، الأمر الذي تقضي معه المحكمة بإلغائه ، والقضاء مجدداً بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه فيما تضمنه من عدم قبول نجل الطاعن بكلية الشرطة ضمن الطلبة المستجدين العام الدراسي 2012 / 2013 ، مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين آنفا ً، مع تنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان عملا ً بالمادة (286 ) مرافعات.
وحيث إن من أصابه الخسر في الطعن يلزم بالمصاريف عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات المدنية والتجارية .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :- بقبول الطعن شكلا ً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ، والقضاء مجددا ً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ، فيما تضمنه من عدم قبول نجل الطاعن بكلية الشرطة ضمن الطلبة المستجدين بالعام الدراسي 2012/2013 ، مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع تنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان ، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات .
صدر هذا الحكم وتلي علنا بجلسة يوم الأربعاء 26 من ذي الحجة سنة 1437 هـ ، الموافق 28/9/2016 وذلك بالهيئة المبينة بصدره.
تعليقات
إرسال تعليق