القرار الصادر من مجلس الشعب بتوقيع جزاء تأديبي على أعضاءه لا يرقى لمرتبة العمل البرلماني وبالتالي لا يتمتع بالحصانة الدستورية للأعمال البرلمانية , يخضع لرقابة القضاء العادي بحسبانه صاحب الولاية العامة
المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه يجوز لمحكمة النقض أن تثير من تلقاء ذاتها المسائل المتعلقة بالنظام العام " . وأن "مسألة الاختصاص الولائي تعتبر قائمة في الخصومة ومطروحة دائما على المحكمة - سواء أثار الخصوم مسألة الاختصاص أو لم يثيروها وسواء أبدتها النيابة العامة أو لم تبدها - فواجب المحكمة يقتضيها أن تتصدى لها من تلقاء ذاتها " . لما كان ذلك ، وكان المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مبدأ الفصل بين السلطات ليس معناه إقامة سياج مادي يفصل فصلا تاما بين سلطات الحكم ويحول دون مباشرة كل منها لوظيفتها بحجة المساس بالأخرى ، وإنما معناه توزيع وظائف الحكم الرئيسية التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتساوية تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها ، وإن كان قد تفرع عن مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ آخر هو عدم مسئولية الدولة عن الأعمال البرلمانية التي تصدر من المجلس التشريعي او هيئاته أو أعضائه في أداء وظيفتهم فإن ذلك إنما يكون طبقا لما نص عليه الدستور الذي يبين طريقة الحكم ويحدد سلطاته بعضها بالبعض الآخر . ويبين من استقراء نصوص الدستور أنه يقوم على أساس سيادة القانون فنص في المادة 64 على أنه [ سيادة القانون أساس الحكم في الدولة ، ونص في المادة 65 على أنه [ تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات ] ، كما نص في المادة 68 على أن ( التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي ) - ومؤدى ذلك كله مجتمعا أنه طبقا لأحكام الدستور فإن الدولة بجميع سلطاتها تخضع للقانون شأنها شأن الأفراد فلا سيادة لأحد فوق القانون ، وأن لكل مواطن الحق في التقاضي وفي أن يلجأ إلى قاضيه الطبيعي مطالبا بحقه فيصدر حكمه وفقا للقانون ، وإعمالا لذلك، فقد نص الدستور على أن السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقا للقانون . ونصت المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة ۱۹۷۲ على أنه فيما عدا المنازعات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة تختص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات والجرائم إلا ما استثنی بنص خاص " وبذلك تكون المحاكم هي صاحبة الولاية العامة للقضاء فتختص بالفصل في كافة المنازعات أيا كان نوعها وأيا كان أطرافها ما لم تكن إدارية أو يكون الاختصاص بالفصل فيها مقررا بنص القانون والدستور لجهة أخرى مما لازمه أنه إذا لم يوجد نص في الدستور او القانون يجعل الاختصاص بالفصل في النزاع لجهة أخرى غير المحاكم فإن الاختصاص بالفصل يكون باقيا للمحاكم على أصل ولايتها العامة حتى لا يحرم صاحب الحق فيه من التقاضي بشأنه . لما كان ذلك، وكان مؤدى نص المادتين ۸۹، ۹۸ من الدستور أن الحصانة البرلمانية نوعان أولهما حصانة لأعمال المجلس البرلمانية مقيدة بان يكون العمل قد تم على الوجه المبين في الدستور ، وثانيهما حصانة مطلقة لأعضاء المجلس تمنع من مؤاخذتهم مما يبدونه من الأفكار والآراء في أداء عملهم في المجلس أو لجانه ولو تجاوزوا فيها حدود القانون وهذه الحصانة بنوعيها استثنائية لا يتوسع فيها ولا يقاس عليها . وكان المقرر كذلك أن علاقة البرلمان بأعضائه ما هي إلا رابطة قانونية تحكمها القوانين واللوائح المعمول بها في هذا الشأن وإذا كان القانون قد خول المجلس توقيع الجزاءات على أعضائه إلا إن هذا العمل لا يرقى لمرتبة العمل البرلماني بمعناه المبين بالمادة 86 من الدستور فلا يتمتع بالحصانة الدستورية للأعمال البرلمانية وإنما هو جزاء تأديبي صادر من البرلمان يحكمه القانون واللوائح فيخضع بالتالي لرقابة القضاء العادي بحسبانه صاحب الولاية العامة إذ لا اختصاص للقضاء الإداري إلا فيما حدده له القانون من اختصاصات. ولما كان هذا القرار محل الدعوى يخرج من نطاق العمل البرلماني أو القرار الإداري فيكون بذلك خاضعا لولاية القضاء العادي فإذا ما خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيبا بمخالفة القانون بما يوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة .
(الطعن رقم 12876 لسنة 82 ق – جلسة 21/10/2019)
تعليقات
إرسال تعليق